الدكتور أحمد عامر يكتب: تحول السياسة من فكر وإبداع لمال سياسي

بقلم الدكتور: أحمد عامر 

لطالما كانت السياسة ميدانًا للأفكار، حيث يتنافس القادة والمفكرون على تقديم رؤى وحلول مبتكرة لبناء مستقبل أفضل لمجتمعاتهم. لقد كانت السياسة في الماضي تقوم على مزيج من الأيديولوجيات العميقة، والإبداع الفكري، والإيمان بالمبادئ والقيم التي تعكس طموحات الشعوب.

ولكن في العقود الأخيرة، يبدو أن السياسة قد فقدت جوهرها وتحولت إلى صراع نفوذ يسيطر عليه المال والتكتلات الاقتصادية، مما أدى إلى تراجع الإبداع والرؤية الإنسانية.

لذا نري أن السياسة شهدت تحولات جوهرية مع صعود الرأسمالية العالمية وتغلغل المصالح الإقتصادية في مراكز القرار فأصبح المال السياسي هو اللاعب الأوحد ، حيث تُستخدم الثروات الهائلة للتأثير على الانتخابات، وشراء الذمم، وتشكيل سياسات تخدم قلة من النخب، بينما يُهمش صوت الشعب.

هذا التحول أفرز سياسيين يفتقرون إلى رؤية إبداعية، ويقتصرون على إدارة شؤون الدولة بما يخدم مصالح داعميهم الماليين.

 الإعلام المُوجّه والدعاية المكثفة كان لها دور ليس بالقليل في الترويج لشخصيات سياسية تفتقر للكفاءة لكنها تحظى بدعم مالي ضخم. أُفرغت الساحة السياسية من القادة أصحاب الفكر والإبداع، لتحل محلهم شخصيات تُصنع عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

هذه الشخصيات غالبًا ما تفتقر إلى برامج سياسية حقيقية، مما يجعل السياسات العامة مجرد انعكاس لرغبات رجال الأعمال وأصحاب النفوذ.

لقد كانت السياسة فيما هو مضي محركًا رئيسيًا للمشاريع الفكرية الكبرى التي قادت إلى نهضة اقتصادية واجتماعية. أما اليوم، فالمشاريع الكبرى تكاد تنعدم، وتُستبدل ببرامج قصيرة الأمد تهدف فقط إلى تحقيق مكاسب سياسية آنية. غابت المشاريع النهضوية والقومية لتحل محلها سياسات سطحية تستهدف كسب الأصوات في الانتخابات المقبلة.

كل ما سبق أدى إلى فقدان الثقة في المؤسسات السياسية، وإزدياد مشاعر الإحباط لدى الشعوب. أصبح الناخبون يشعرون بأن لا فرق حقيقي بين الأحزاب، وأن السياسة لم تعد وسيلة لتحقيق التغيير، بل أداة لتكديس الثروات وخدمة المصالح الخاصة.

وهذا ما يفسر تنامي الإحتجاجات الشعبية في العديد من الدول، حيث يطالب المواطنون بإستعادة جوهر السياسة كفضاء للفكر والإبداع.

في النهاية لابد من إعادة السياسة إلى مسارها الصحيح وهذا يتطلب عودة الإيمان بأن العمل السياسي هو مسئولية أخلاقية قبل أن يكون سعيًا للسلطة أو المال.

يجب أن يكون للسياسة دور في إطلاق الأفكار الخلاقة التي تفتح آفاقًا جديدة للشعوب، وأن تستعيد وظيفتها الأساسية كوسيلة لتحقيق العدالة والتقدم. فمن الضروري أن يُعاد الإعتبار لدور المثقفين والمفكرين في المشهد السياسي، وأن يُعاد رسم معالم السياسة على أسس من النزاهة والإبتكار، بدلاً من تركها أسيرة للمال السياسي.

Share this content:

إرسال التعليق