العقول المستنيرة: حملة الماجستير والدكتوراه بين طموحات الدولة وتحديات الزملاء في دهاليز المؤسسات
بقلم: الدكتور رامي السعودي
في مشهد تتسارع فيه وتيرة التنمية في مصر، وتُرسَم فيه ملامح الجمهورية الجديدة بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أولى بناء الإنسان المصري أولوية قصوى، لا تزال هناك تحديات كامنة تعيق هذا المشروع الطموح.
تحديات لا تأتي من الخارج، بل تنبع من داخل بعض المؤسسات، في صورة صراعات خفية تعيق مسيرة من يفترض أن يكونوا في طليعة النهضة: حملة الماجستير والدكتوراه.
فخامة الرئيس أكّد مرارًا وتكرارًا على أهمية الاستثمار في العلم والعلماء، معتبرًا أن العقول المستنيرة هي ذخيرة الوطن في معاركه التنموية والنهضوية. ومع ذلك، يُفاجأ الكثير من هؤلاء النخبة المتخصصة أن معركتهم الحقيقية لا تدور في ميادين البحث أو ساحات التطوير، بل في دهاليز العمل، حيث يُواجهون بحرب باردة من زملاء يفترض أن يكونوا شركاء لا خصومًا.
إنها ليست منافسة شريفة أو اختلافًا طبيعيًا في الرؤى، بل صراع تغذّيه مشاعر الحقد والخوف من الكفاءة، يُشكك في مؤهلاتهم، وتُحرّض الإدارات ضدهم، وتُمارس ضدهم حملات تشويه ممنهجة، في تجاوز صارخ للقيم المهنية والأخلاقية. والأدهى، أن يصل الأمر إلى محاولات سحب ألقابهم العلمية، في تعدٍّ سافر على منظومة العلم، وعلى شخصيات كرّست سنوات من أعمارها في خدمة المعرفة والوطن.
هذه الظاهرة لا تُعدّ فقط إساءة فردية، بل جريمة إدارية تقوّض أسس الدولة الحديثة. فكيف لعقلٍ يُطارَد في مؤسسته أن يُنتج؟ وكيف لباحثٍ يُحاصَر داخل بيئة سامة أن يُبدع؟ إن مناخ العمل الذي لا يحترم التخصص، ولا يقدّر الاجتهاد، يُسهم في تآكل الثقة، وهروب الكفاءات، ووأد الإبداع في مهده.
إننا أمام لحظة حاسمة تتطلب تحركًا وطنيًا حقيقيًا، يوازي ما تبذله الدولة من جهود في البنية التحتية والتعليم والصحة. فالعقول هي البنية التحتية الحقيقية، ولا تنمية بلا بيئة تضمن لها الاحترام والاحتواء والدعم.
الجمهورية الجديدة التي نحلم بها لا تكتمل بقرارات من أعلى فقط، بل بثقافة مؤسسية تؤمن أن العالم لا يقل شأنًا عن الجندي، وأن حامل الدكتوراه لا يقل إخلاصًا عن من يحرس الحدود. فكلاهما يؤدي واجبه في ميادين مختلفة، لكن بروح واحدة: خدمة الوطن.
لذا، فإن احترام العقول المستنيرة لم يعد ترفًا ولا تفضّلًا، بل ضرورة وطنية، ومطلب تنموي عاجل. وعلى كل مؤسسة أن تراجع نفسها، وعلى كل مسؤول أن يعي أن مناخ العدالة والاحترام هو التربة الوحيدة التي ينمو فيها التميّز.
فإما أن نحتضن العقول كما أراد الرئيس، أو نتركها تغادر بصمت… وتخسر مصر أعظم ما تملك.
الدكتور رامي كمال السعودي
أمين التعليم والبحث العلمي بحزب مستقبل وطن ثان المحلة
دكتوراه المناهج وطرق تدريس العلوم
Share this content:
إرسال التعليق