نوموفوبيا … الرُهاب العصري الذي يعيد تشكيل علاقتنا بالواقع

بقلم: د. رامي كمال السعودي

أمين التعليم والبحث العلمي – حزب مستقبل وطن – المحلة ثان، محافظة الغربية

محاضر بالجامعة الأمريكية المفتوحة والجامعة الإسلامية بمنيسوتا – الولايات المتحدة الأمريكية

استشاري تدريب وتحكيم دولي معتمد | مستشار جودة وتعليم وإدارة

 

 

في عصر يُعد فيه الهاتف المحمول امتدادًا للعقل واليد، برز مصطلح جديد يعكس اضطرابًا نفسيًا معاصرًا أصبح أكثر شيوعًا مما نتصور: “نوموفوبيا” (Nomophobia)، أو “رهاب فقدان الهاتف المحمول”. هذا الرهاب لا يتعلق فقط بالجهاز في حد ذاته، بل بما يرمز إليه من اتصال دائم، وإحساس زائف بالأمان، والانتماء إلى العالم الرقمي.

 

ما هي النوموفوبيا؟

 

كلمة “نوموفوبيا” هي اختصار لعبارة (No Mobile Phone Phobia)، وتعني القلق المرضي الناتج عن غياب الهاتف المحمول أو عدم القدرة على استخدامه. ظهرت هذه الظاهرة نتيجة الاستخدام المفرط وغير المنظم للأجهزة الذكية، وأصبحت اليوم تُصنَّف ضمن اضطرابات الصحة النفسية المرتبطة بالإدمان الرقمي، خاصة بين فئة الشباب.

 

أعراض النوموفوبيا الشائعة:

 

– شعور بالتوتر أو الذعر عند نسيان الهاتف أو فقدان الاتصال بالشبكة.

– فحص الهاتف باستمرار، حتى في غياب إشعارات.

– تجنب الأنشطة التي تتطلب الانفصال عن الهاتف.

– انخفاض التركيز، واضطرابات في النوم.

– الاعتماد النفسي الكامل على الهاتف كمصدر ترفيه ودعم عاطفي.

 

البُعد الفلسفي للمشكلة

 

أزمة النوموفوبيا لا تكمن فقط في الاستخدام، بل في فقدان الإنسان لقدرته على التواجد دون وسيط إلكتروني. فالهاتف لم يعد أداة، بل أصبح مرآة افتراضية للذات. نحن نخشى الصمت، نخاف الوحدة، ونسعى دومًا لأن نكون “موجودين” رقميًا، ولو على حساب حضورنا الواقعي.

 

وهنا تُطرح أسئلة جوهرية

 

هل ما نشعر به من تواصل حقيقي؟ أم مجرد وهم الاتصال؟

هل نعيش الحياة أم نستهلكها عبر الشاشات؟

 

التأثيرات النفسية والمجتمعية

 

النوموفوبيا تؤثر سلبًا على الأداء الدراسي والمهني، وتُضعف من جودة العلاقات الاجتماعية، وتُعزز مشاعر العزلة والقلق. كما تُسهم في خلق ما يُعرف بـ “الاغتراب الرقمي”، حيث يفقد الفرد القدرة على التفاعل الإنساني الحقيقي، ويستبدله بالتواصل المُفلتر من خلف الشاشات.

 

الوقاية والعلاج

 

– إدارة الوقت الرقمي: تحديد فترات يومية خالية من الهاتف.

– إحياء العادات الواقعية: القراءة، الرياضة، التأمل، والتفاعل الأسري.

– استخدام التطبيقات الإيجابية: التي تُراقب وتقنن الاستخدام.

– الاستشارة النفسية: عند ظهور علامات الإدمان الحاد

 

خاتمة

 

نوموفوبيا ليست مجرد مصطلح نفسي، بل ناقوس خطر يُنذرنا من مستقبل يُختزل فيه الوجود الإنساني في “إشارة شبكة” أو “بطارية ممتلئة”. إنها دعوة لإعادة صياغة علاقتنا بالتكنولوجيا، وأن نستعيد وعينا بأننا كائنات إنسانية أولاً… رقمية لاحقًا.

 

إن التعامل الواعي مع التكنولوجيا لا يعني الانعزال عنها، بل امتلاك القدرة على إيقافها حين نريد، وأن نحيا اللحظة بكامل إنسانيتنا، لا أن نحياها عن طريق إشعار أو إشعارين.

Share this content:

إرسال التعليق